نحو قطاع حكومي أكثر فعالية مع تطبيق مبادئ الإدارة اللّينة

حققت مبادئ الإدارة اللّينة نجاحًا باهرًا في القطاع الخاص، ولكنها حملت معها وعودًا للحكومات بإحداث تحولات فعلية. ففي ظل الميزانيات دائمة التغيّر والهياكل الوزارية واحتياجات دوائرها، يمكن لجميع أنواع كيانات القطاع الحكومي أن تستفيد من التفكير اللّين لتحسين خدمة عملائها وتوفيرالوقت وتقليص الهدروالمتأخرات المتراكمة. تتعدد أشكال الحكومات وأنواعها، فمنها ما هو على نطاق الولاية ومنها ما هوعلى نطاق الدولة ككل، ولكل منها تركيبتها الخاصة من حيث الأقسام والمسؤوليات. وقال سيف الشيشكلي الشريك المؤسس والشريك الإداري في شركة المبادئ الأربعة إن مبادئ الإدارة اللّينة تتناسب مع مجموعة كبيرة من عمليات الإدارة، منها عمليات وضع القواعد والتعليم وخدمات الرعاية الصحية. وأردف الشيشكلي قائلًا إن كيانات القطاع الحكومي مطالبة دائمًا بتحقيق إنجازات أكبر مقابل تكلفة أقل، مشيرًا إلى أنه يمكن من خلال اعتماد التفكير اللّين أن تحقق الحكومات إنجازات مستدامة ومربحة ذات فعالية عالية ترتكز على تخفيض الهدر وزيادة القيمة للمواطنين. 

وهنا نناقش الأساليب التي يمكن للإدارة اللّينة من خلالها خلق نتائج قيّمة لنموذج تدفق القيمة: إصدار التصاريح، وهي وظيفة بيروقراطية أساسية تؤديها الحكومات حول العالم.

تطبيق مبادئ الإدارة اللّينة لزيادة الفعالية في عملية منح التصاريح

قال باتريك ويبوش الشريك المؤسس والشريك الإداري في شركة المبادئ الأربعة إن أي تغيير تحدثه الإدارة اللّينة يجب أن يستوفي معيار أساسي يتمثل بجلب المنفعة للزبائن، أي المواطنين في هذه الحالة، وبالتالي تنظر الإدارة اللّينة إلى القيمة بعين المواطن، وتوظف جميع ما تملك لاستهداف أقصى حد من القيمة. وتجدر الإشارة إلى أنه في عملية منح التصاريح، يُعد تخطيط تدفق القيمة مكوّنًا أساسيًّا في فلسفة التفكير اللّين.

وتوضح مخططات تدفق القيمة جميع الخطوات اللازمة لتقديم الخدمات بدءًا من الطلب حتى التوصيل. أمّا بالنسبة للتصاريح، تبدأ الخطوات من تقديم الطلب حتى الحصول على الموافقة. ويبين التخطيط كيفية تدفق المعلومات والخدمات والمواد والقيمة من الألف إلى الياء.والأهم من ذلك، تُعد المخططات نقطة انطلاق نحو تحديد فرص التحسن والتقدم من خلال تطبيق أساليب الإدارة اللّينة، كتقليص الهدر واستخدام الأدوات المناسبة.

تقدم ملحوظ في سير عملية منح التصاريح

فلنلقِ نظرة على أربعة كيانات حكومية اعتمدت التفكير اللّين في عمليات منح التصاريح:

ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية –  مجلس مراقبة الموارد المائية الإقليمية في سنترال فالي في كاليفورنيا، تصريح اعتماد نظام التخلص من الملوثات

في العام 2014، شرعت ولاية كاليفورنيا الأمريكية بتوفير برنامج تدريبي لمدّة 6 أشهر يدعى “لِين 6سيغما” لموظفي الكيانات الحكومية بهدف تحسين سير العمل من خلال تسليط الضوء على المعوقات التي تعرقل حسن سير العملية. في السنوات التالية، أكمل المشاركون في البرنامج العشرات من برامج تطبيق الإدارة اللّينة، بما فيهم مجلس مراقبة الموارد المائية الإقليمية في سنترال فالي في كاليفورنيا.

وقد شرع هذا الكيان الحكومي في تخفيض الوقت اللازم لإصدار مسودة أولية للحصول على تصاريح لاعتماد نظام التخلص من الملوثات الذي ينظم عملية تصريف الملوثات في المياه. في البداية، كانت عملية الحصول على تصريح تستغرق 170 يومًا بالحد المتوسط، وبالحد الأدنى كانت تستغرق 45 يومًا، ولكن تم تحديد أساليب الهدر والتخلص منها عبر تنفيذ مخطط واضح للعملية وتحليله استنادًا إلى معايير القيمة والكفاءة.

بناء عليه، انخفضت الخطوات اللازمة لتنفيذ العملية من 31 إلى 26 خطوة، كما تم تقليص خطوات المراجعة من 11 إلى خمس خطوات. وعليه، تم توحيد العمليات بين المكاتب وسُلّط الضوء على الخطوات الرئيسية. بعد القيام بهذه التعديلات، يمكن الآن إنجاز 95% من معاملات منح التصاريح خلال 45 يومًا.

مدينة ملبورن، أستراليا – إعادة رسم عملية منح التصاريح للأعمال الرياضية والترفيهية

شرعت مدينة ملبورن الأسترالية في رحلتها لاعتماد الإدارة اللّينة في العام 2009. وفي غضون سنوات، نجحت الفروع الثلاثون للحكومة في تطبيق الإدارة اللّينة في سلاسل القيمة الخاصة بها لخلق بيئة أفضل للزبائن وطاقم العمل والمؤسسة والمجتمع. وقال دينيز بينيت مدير برنامج الإدارة اللّينة في ملبورن إن الهدف الأساس من عملية التحويل في مدينة ملبورن واضح جداً، وهو مساعدة المؤسسات على تقديم خدمات ذات قيمة أعلى كلما أمكن، استجابة لارتفاع الطلب وازدياد السكان، وذلك بالاستعانة بطاقم العمل الموجود والموارد المتوفرة فقط، دون الاستعانة بغيرهم.

وقد ركزت ملبورن على تحسين العمليات والخدمات ذات الأعداد الضخمة، فيتم إنجاز ما يقارب 52,000 طلب كل عام، فتكون بذلك ضمن أكثر النشاطات التي تقوم بها الحكومة.

وبفضل اعتماد مبادرة الإدارة اللّينة، تمكنت مدينة ملبورن من تقليص أوقات انتظار المواطنين الذين يسعون للحصول على تصاريح للأعمال الترفيهية من 10 أيام إلى نفس اليوم، إذ يبدأ العمل على طلبات الحصول على تصاريح فور استلامها. بالإضافة إلى ذلك، أعادت المدينة ترسيم عملية منح تصاريح للأعمال الرياضية، فنجحت في تقليل مدة الانتظار من ستة أسابيع إلى أسبوعين.

ولاية ويسكونسن، الولايات المتحدة الأمريكية – إدارة الموارد البشرية، تصريح تقديم لحوم الطرائد البرية

أطلقت ولاية ويسكونسن الأمريكية في العام 2012 مبادرة الإدارة اللّينة لتخفيض أعباء العمل وتقليص مدة عملية منح التصاريح، بالإضافة إلى رفع الفعالية في إدارة الموارد الطبيعية. وكان هدف أحد المشاريع الرئيسية هو تطوير عملية إصدار تصاريح تخول المطاعم والفنادق تقديم لحوم الطرائد البرية، وهي تصاريح تنظم عمليات تقديم هذا النوع من اللحوم. وبهدف تبسيط عملية إعطاء التصاريح مع مراعاة احتياجات الزبائن وتخفيض أوقات العمل، بادر الفريق إلى ترسيم العملية الحالية من خلال اعتماد مشروع الإدارة اللّينة.ومن خلال تفحص تدفق القيمة بشكل دقيق، اتضح وجود العديد من الخطوات التي يمكن تبسيطها أو التخلي عنها، كما تم الكشف عن خطوات غير ضرورية بموجب القانون، مما يعني أنه يمكن إزالتها من العملية، بالإضافة إلى تحديد الأسباب الرئيسية التي تسبب التأخير.

وخلال ستة أشهر، تمكنت الدائرة من تحقيق نجاح باهر، فتم تقليص الوقت اللازم لإنجاز التصريح إلى النصف، كما تم تبسيط عملية الموافقة لتشمل هيئة واحدة عوضًا عن هيئتين. بالإضافة، تستغرق الآن المدة الزمنية لإنجاز التصريح يومين مقارنة بسبعة أيام في السابق، وتغير رأي المواطنين حول سير العمل من مشاعر مختلطة أو عدم الاكتراث إلى مشاعر إيجابية تعبر عن رضاهم.

ولاية آيوا، الولايات المتحدة الأمريكية – دائرة الموارد الطبيعية، تصاريح جودة الهواء

شرعت ولاية آيوا الأمريكية عبر إدارة الموارد الطبيعية في رحلتها لاعتماد الإدارة اللّينة في العام 2003، وذلك بهدف تحسين عملية مراجعة تصاريح جودة الهواء وإصدارها بموجب برنامج مراجعة المصدر الجديد الذي يشمل المصانع المبنية حديثًا أو التي تم إجراء التعديلات عليها، بالإضافة إلى المراجل الصناعية ومحطات الطاقة. فتُلزم المنشآت آنفة الذكر بالحصول على تصاريح قبل الشروع في البناء.

في المرحلة الأولى من اعتماد برنامج الإدارة اللينة، أصدرت إدارة الموارد الطبيعية ما يقارب 2,000 تصريح في كل عام، حيث كانت تستغرق المدة الزمنية اللازمة للموافقة على تصريح ما 62 يومًا، ولكن مع تطبيق مبادئ التفكيراللين، قللت الإدارة مدة الحصول على تصريح إلى ستة أيام فقط، مع الإشارة إلى أنها لم تجرِ أي تغييرعلى المستلزمات التنظيمية أو متطلبات الامتثال. وقد استطاعت الإدارة أيضًا إنجاز 600 طلب متراكم على مدى الأشهر الست التالية.

وتُعد العلاقة الوطيدة التي تجمع إدارة الموارد الطبيعية بالقطاع الخاص مكونًّا أساسيًّا للنجاح الذي حققته، فقالت تيريزا هاي مكماهون، مديرة نتائج الأداء في قسم آيوا للإدارة إن الدعم الذي قدمه القطاع الخاص كان هائلًا، إذ إنه قدم دورات تدريبية وسمح للإدارة بإرسال أفراد من طاقم العمل للمشاركة في الفعاليات التي كانت تُقام في منشآت القطاع الخاص، مضيفةً أن القطاع الخاص أدى دور الموّجه منذ اليوم الأول للانطلاق.

وقد ساهم أيضًا في نجاح الإدارة حرصها وتفانيها للتقدم بشكل مستمر والحفاظ على الزخم عينه في العمل، إذ يعقد قادة البرنامج اجتماعات المتابعة بعد 30 و60 و90 يومًا لضمان سير الخطة كما يجب ولوضع جداول زمنية لمهمات إضافية.

وبعد النجاح الذي حققته الإدارة اللّينة في قسم منح التصاريح في إدارة الموارد الطبيعية، قررت الإدارة تبني مبادرات أخرى متعلقة بالإدارة اللّينة. ففي العام 2006، تم تشريع مشروع تمويل لإنشاء مكتب للعمل المؤسساتي اللين وتم تعيين فريق عمل مختص بدوام كامل في العام 2008.

الإدارة اللّينة في القطاع العام: الصعوبات المحتملة والحلول

يتطلب نجاح للتفكير اللّين في الكيانات الحكومية اهتمامًا خاصًّا بالتغيرات التي تطرأ، وذلك بهدف تجنب التوجه الطبيعي لإعادة الأمور على ما كانت عليه.

ومن بين التحديات والصعوبات الشائعة التي تواجهها الحكومات عند تطبيق الإدارة اللّينة:

الدعم غير الكافي من الجهات الراعية – يُعد التزام القادة الرئيسيين ودعمهم شرطًا أساسيًّا لتحقيق نجاح طويل الأمد في الإدارة اللّينة. وفي الكثير من الحكومات، يُستلزم الحصول على موافقة اللجان والهيئات الإدارية الأخرى للشروع في تطبيق مشاريع الإدارة اللّينة.

وتشمل الاستراتيجيات المعتمدة لمواجهة هذا التحدي إشراك القادة في مرحلة مبكرة من عملية التخطيط، بالإضافة إلى اختيار جهات راعية حريصة وقادرة على إحداث التحسينات، كما أنه من المهم أيضًا استقطاب المدراء من الفئة المتوسطة الذين يمكنهم أن يكونوا عنصر إلهام لإدخال التغييرات الثقافية والتحفيز على الاستمرار في هذا المشروع.

قلق حول فقدان الوظائف – واجهت مدينة غراند رابيدز في ولاية ميشيغان هذا التحدي في عامي 2006 و2007 عندما أدى الثبات في إيرادات الضرائب وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية إلى عجز مستمر في الميزانية. وما يزيد الطين بلة هو أن حكومة الولاية كانت تعاني من عجزها الخاص، فجمدت اتفاقيات تقاسم العائدات مع البلديات، من ضمنهم بلدية غراند رابيدز.ونتيجة لذلك، تخلصت غراند رابيدز من مئات الوظائف الحكومية في السنوات الأخيرة.

عندما شرعت المدينة باعتماد التفكير اللّين، واجهت انتقادات من الأشخاص الذين كانوا يخشون أن يكون الهدف الرئيسي هو تحديد الطرق التي تؤدي إلى تخفيض عدد الموظفين. ولكن من خلال اعتماد استراتيجية استباقية للاتصالات، تمكن نائب مدير المدينة إيريم ديلونغ من الحد من هذه المعضلة، إذ تحدث هو وطاقم عمله بشكل مستمر حول البرنامج، وذلك عبرالخطابات والكتابات والنقاشات المستمرة مع الموظفين حول أهمية المبادرة.

وأردف ديلونغ قائلًا إنهم تخلصوا من الاعتقاد الخاطئ أن الهدف هو تخفيض عدد الموظفين، فالمؤسسة التي عادة ما تعتمد سياسة المغامرة، من الطبيعي أن تتجه نحو تنويع أساليب عملها بغية التطوير والتحسين، مضيفًا أنه من المهم أن يثبتوا للمؤسسة أنهم يعتزمون اعتماد التفكير اللّين في العمل.

كما استعرضنا سابقًا، يمكن للتفكير اللّين أن يحمل معه نتائج تحويلية تطال العمليات الحكومية، إلا أن التحسينات التي أُجريت على عمليات منح التصاريح ما هي إلا الخطوة الأولى في مشوار طويل.

عندما ترغب حكومتك بالشروع في مسيرة، المبادئ الأربعة هي الخيار الأمثل للحصول على الخبرات المناسبة في إدارة اللّين، حيث تقدم حلولًا ليّنة ومستدامة لمختلف الصناعات في جميع أنحاء العالم. شغفنا هو سر نجاحنا… لا نتكلم، بل ننفذ. للمزيد من المعلومات الرجاء زيارة موقعنا الإلكتروني https://fourprinciples.com