في العام ١٩٧٧، قامت شركة هلا العربية بإطلاق شركة هلا لتأجير السيارات مع أسطول يضم 27 مركبة. تأسّست الشركة على يد والد هاني الصالح الذي يشغل حاليًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة هلا العربية. وبعد أن تحولت إلى آفيس السعودية في العام ١٩٩٣، باتت الشركة اليوم واحدة من أبرز شركات تأجير السيارات في البلاد حيث تدير أسطولاً يربو على ١٠٠٠٠ سيارة في جميع أنحاء المملكة. وتتمثّل رؤية هاني في جعل آفيس الاسم الأكثر موثوقية في مجال تأجير السيارات بالمملكة العربية السعودية.
في العام ٢٠١٥، شجعت العوامل الداخلية والخارجية شركة آفيس على تحسين نموذجها التشغيلي بغية الحفاظ على القدرة التنافسية والمربحة في سوق تأجير السيارات؛ فمن جهة، كانت حصتها السوقية تتعرّض للضغوط بسبب دخول منافسين شرسين إلى السوق، ومن جهة أخرى، كانت النفقات التشغيلية تزداد بشكل ملحوظ سنة تلو أخرى مما حال دون تحسين آفيس أسعارها فضلاً عن الاستثمار في خدمات جديدة ذات قيمة مضافة لعملائنا.
في الواقع، عانت آفيس من عدم توافر سيارات (أي استخدام سيارات) إيجارها منخفض، وذلك يعود أساسًا إلى أوقات الإصلاح والصيانة الطويلة.
من الناحية اللوجستية، واجهت آفيس العديد من التحديات في نقل السيارات بسبب السيارات المعطلة التي لم تبادر الفروع للإبلاغ عنها في حينها. كما أن وظيفة المشرف على الأسطول لم تكن محددة بشكل واضح مع عدم كفاية الأدوات المتاحة أمامه لأداء مهامه. على سبيل المثال، لم يكن هناك مخطط محدد لمسار السائقين اليومي بغية نقل السيارات بين المواقع، ولم يتم ضبط تدفق الاتصالات بشكل صحيح بين الفروع والمشرف على الأسطول. في الواقع، كانت الفروع تبلغ المشرف على الأسطول بأرقام لوحات السيارات المعطلة عبر الهاتف.
وفي عمليات ورش العمل، لم يكن لدينا أي مراقبة على السيارات المعطلة ضمن ورش العمل التي كنا نستخدمها لإصلاح سياراتنا. كانت عمليات الموافقات تستغرق وقتًا طويلاً وتتأخر بسبب تشابك تيارات القيمة لـ”المركبات التجارية الثقيلة” و”سيارات الركاب الخفيفة” داخل ورش العمل.
وكأثر مباشر لهذه التحديات، لم يكن الأسطول يستخدم بكامل طاقته حيث كنا نشهد في أي وقت غياب ٢٥٪ من سياراتنا عن قائمة الإيجار، مع فترة تمتد ٢٥ يومًا لتأهيل سيارة معطلة ما بين لحظة تعرضها لحادثة ولحظة جاهزيتها للإيجار.
وقد ارتأينا أن تطبيق نهج اللين من أسفل إلى أعلى بما يشمل الإدارة والموظفين على السواء، هو الطريقة الوحيدة لكسر هذه الحلقة المفرغة من أجل مواجهة الرفض القوي للتغيير والتغلب عليه؛ وقام استشاريو شركة المبادئ الأربعة بإطلاع فريق آفيس على مبادئ اللين.
في بداية المشروع، حددت الإدارة العليا بعض الموظفين ذوي الأداء الضعيف، إلا أن تطبيق حلول اللين بالترافق مع تدريبات تتسم بالفاعلية والكفاءة بناء على “إجراءات التشغيل القياسية” ذات الصلة، ساعد في تحسين قدرات الموظفين مما عزز التزام أفراد فريق آفيس ورفع مستوى أدائهم التشغيلي.
بداية نفّذ الفريق مشروعًا تجريبيًا بمعيّة شركة المبادئ الأربعة في واحدة من المناطق الثلاث التي تعمل فيها آفيس في السعودية، مما أتاح التأكيد أن المنظمة تشهد تحسّنًا في الاتجاه الصحيح. وكما قال هاني: “بمجرد أن فهم الفريق مبادئ اللين وأدرك فوائدها استنادًا إلى المشروع التجريبي، تم التخطيط للبدء بتنفيذ ممنهج في باقي أنحاء البلاد. وقد تولّى هذه الخطوة موظفو آفيس بدعم من الاستشاريين الذين عززوا نقل المعرفة إلى أقصى حد”.
كما زوّد مستشارو شركة المبادئ الأربعة إدارة آفيس بتحليل تفصيلي عن القدرات البشرية مكّننا من إعادة هيكلة فرقنا وفقًا لقدرات موظفينا.
وتم تخصيص المرحلة الأخيرة من المشروع لتحديد مؤشرات الأداء الرئيسة اللازمة وربطها بالحوافز النقدية وغير النقدية التي تشجع الأداء الفردي والجهود المشتركة من أجل الحفاظ على التغييرات. ومرّ عامان وما تزال عملية التحسين التي تم تحقيقها خلال المشروع محتفظة بفاعليتها بعد أن امتلك فريق آفيس هذه التغييرات.
كانت الإدارة والموظفون يتشاركون الإحباط من الوضع الحالي مع فشل كل المحاولات لتغيير طريقة التفكير والسلوك، وفقدت الإدارة صبرها فعلاً مع الموظفين وأخذت تفكّر أن أتمتة العمليات هي الطريق الوحيد للنجاح. من جهة أخرى، لم يكن الموظفون يسلطون الضوء على المسائل والمشاكل، بل كانوا يتسترون على مسلكهم أو يوجهون أصابع الاتهام إلى غيرهم ليحولوا الانتباه عن أنفسهم. وكانت بداية رحلة اللين مصحوبة بمقاومة عالية للتغيير من المنظمة برمتها؛ وقد تجسد ذلك بشكل رئيس من خلال سيطرة الحماية الذاتية عبر تقديم المصالح الفردية على نجاح الأعمال، وعبر تضليل الموظفين للإدارة حول القضايا الحقيقية في العمليات بغية منع فريق المشروع من تحديد الأسباب الفعلية ومعالجة المشاكل.
وقد تم التعامل مع هذه التحديات من خلال التدريب والتمرين والتوجيه، وقبل كل شيء من خلال الإثبات أن كل فرد في المنظمة يجلب القيمة إذا تم تبسيط العمليات وتنفيذها بما يضمن تلبية الأهداف التشغيلية اليومية لرؤية الإدارة العليا.
عمومًا، أسهمت رحلة اللين بتحسين العمليات وجودة الخدمات وثقة الفرق بشركة آفيس كصاحب عمل. وكحقائق رئيسة ثابتة، قلّص فريق المشروع وقت النقل بين الفروع وورش العمل بشكل كبير للمركبات المعطلة والتي تم إصلاحها من ١٥ يومًا إلى يوم واحد. وانخفضت فترة الموافقة على التأمين داخل ورش العمل من ٧ أيام إلى نصف يوم من خلال تحسين تدفق المعلومات الفنية ما بين ورش العمل وفريق العمليات، وتم تخفيض فترة توريد قطع الغيار داخل الورش من ٣ أيام إلى نصف يوم عبر تطبيق اللامركزية في طلب قطع الغيار.
وكحصيلة إيجابية فورية، انخفض إجمالي الوقت المتوقع من لحظة تعطل السيارة إلى لحظة جاهزيتها للتأجير بنسبة ٩٠٪ من ٢٥ يومًا إلى يومين ونصف. وفي النهاية، فإن تحوّل اللين أتاح لشركة آفيس في غضون ٦ أشهر تخفيض عدد السيارات غير المتوفرة للإيجار من ٢٥٪ من إجمالي الأسطول قبل بدء المشروع إلى ١٦٪ على نحو دائم.
وحدّدت إدارة آفيس ما يلزم لتصبح منظمة ليّنة، مما ساعد على تحديد العديد من الفرص لتحسين العمليات مثل عمليات السيارات المستعملة وعمليات المبيعات وعمليات التأجير المنتهي بالتمليك. وبما أنه تم إلغاء عقلية الصومعة والحدود ما بين فريق الخدمات اللوجستية وفريق ورش العمل، فإنه يمكن تنفيذ جميع المبادرات المستقبلية للتحسين وفق نهج اللين على أسس متينة.
دفعت رحلة التحوّل الليّن هاني الصالح إلى القول بفخر: “نحن سعداء بالنتائج، ويعدّ هذا التمرين بأكمله نجاحًا كبيرًا لنا”. هاني متأكد اليوم من أنه مهما كانت التحديات التي يواجهها من عملائه، فإن منظمته مستعدة للتعامل معها.