dots

يشهد ميدان الرعاية الصحية تطورًا سريعًا يرافقه ازدياد في التعقيدات التي تكمن فيه، فيجد مقدمو الخدمات أنفسهم في خضمّ منافسة تفرض عليهم تحسين الجودة والفعالية مع ضبط الأسعار وتعزيز الأرباح. ويمكن أن تكون مبادئ الإدارة اللّينة بمثابة نقطة انطلاق نحو تحقيق نجاح يتمثل في تقديم القيمة القصوى للمرضى، وذلك من خلال إعادة تقييم عملية تقديم الخدمات، بالإضافة إلى تحويل التركيز نحو تعريف القيمة وفقًا لرأي المستهلك، أي المريض في مجال الرعاية الصحية. ومن هنا نتناول أهم الطرق التي يمكن من خلالها توليد نتائج مستدامة في مجال الرعاية الصحية.

إعتماد الإدارة اللّينة في الرعاية الصحية: فرص حاسمة للتحسين والتطوير

يشير جيمس راين، مستشار ناظر في شركة المبادئ الأربعة، إلى أن عناصر الإدارة اللّينة الأساسية تركز على تحديد أساليب هدر الوقت والموارد، والحد منها، وأردف قائلًا إن تطبيق هذه المبادئ في الرعاية الصحية يؤدي إلى الكثير من النتائج منها استخدام المساحات بطريقة أكثر فعّالية، بالإضافة إلى تحسين إجراءات غرفة الطوارئ والعمليات وتحقيق المستوى الأمثل لنظام الصيدلة. وأضاف راين “إن مدى تطبيق الإدارة اللّينة يعتمد بشكل أساسي على تجربة المريض”. بناء عليه، دعونا نستكشف كيف يمكن لعناصر الإدارة اللّينة أن تولّد نتائج ملموسة في قطاع الرعاية الصحية.

تحديد تدفقات القيمة وترسيم رحلة المريض – يشترط هذا العنصر الرئيس من التفكير الليّن ابتكار رسم تفصيلي يحدد كيفية سير العمليات، فيساعد التحليل الدقيق للرسم على كشف الخطوات المزدوجة والعمل غير المجدي والحالات التي لا يتم فيها تحديد المسؤوليات وتوزيعها بشكل واضح، بالإضافة إلى غيرها من أساليب الهدر المختلفة.

قال أمير دان روبين، الرئيس السابق والرئيس التنفيذي لمستشفى ستانفورد الجامعي، لمجلة “بيكيرز هوسبيتال ريفيو” إنه عندما تتعلم أن تحاول فهم ما الذي يحرك الأشياء وكيف تعمل، عوضًا عن النظر إليها نظرة سطحية، تدرك أنها لا تُحكم بمنطق معين، فتتساءل لما لا نحاول تغييرها نحو الأفضل؟ ثم أضاف إنه في ستانفورد للرعاية الصحية، يتم اعتماد منهجية تحسين العمل “اللّين” التي أبصرت النور في شركة تويوتا، وهي ترتكز على إشراك الناس في تحسين أدائهم وأداء المستشفى.  لذا عند مراقبة المستشفى، يصبح بالإمكان معرفة أي قسم منها يقدم أداءً ممتازًا وأي قسم يشكل هدرًا للوقت. ويتمحور منهج اللّين حول تحسين عمليات الأداء بشكل منهجي ومستمر من خلال إشراك الفريق، مما يؤدي إلى تطوير مؤسسة تعمل بشكل حثيث على التحسن والتطور يومًا تلو الآخر.

يمكن باعتماد الإدارة اللّينة تحديد الكثير من أنواع الهدر في الرعاية الصحية ومن ثم إيجاد الحل المناسب لها، منها:

  • العيوب: التفاعلات الدوائية الضارة والأخطاء الطبية في العمليات الجراحية والأخطاء في الرسوم البيانية والفواتير.
  • أوقات الانتظار: أوقات انتظار المرضى والأطباء وفريق العمل والأدوية ونتائج التحاليل.
  • النقل: تخزين العناصر شائعة الاستخدام في أماكن بعيدة عن أماكن استخدامها، بالإضافة إلى توصيل الأدوية من الصيدلية المركزية.
  • الإفراط في المعالجة:الإزدواجية في المعلومات، سؤال المريض عن معلوماته الشخصية أكثر من مرة.
  • المخزون: فائض في المخزون وأدوية منتهية الصلاحية، تحركات غير ضرورية للموظفين بحثًا عن أوراق أو لوازم أخرى، بالإضافة إلى تخطيط غير فعال للعيادات.
  • الإفراط في الإنتاج: تحاليل غير ضرورية وسحب دم من المرضى دون استخدامه.

يساعد تخطيط تدفق القيمة على كشف القصور في الفعالية وتصحيحه. فعلى سبيل المثال، أفاد قسم التنظير في مستشفى هيرفورد إن إتش أس تراست في المملكة المتحدة أنه يعاني من نقص في العربات المتحركة، فطلب فريق العمل أربع عربات إضافية كحد أدنى. ولكن بعد اعتماد تخطيط تدفق القيمة، تبين أن المشكلة الحقيقية تكمن لدى مرضى نقل الدم، وليس مرضى التنظير، إذ كانوا يستخدمون الكراسي الموجودة في غرف الإنعاش.بناءً عليه، تبين أن المشكلة تكمن في نقص الكراسي في تلك الغرف وليس في أعداد العربات. فكان الحلبنقل مرضى نقل الدم إلى غرف إنعاش أخرى. بالإضافة إلى ذلك، كشف التخطيط عن الحدين الأقصى والمتوسط لعدد مرضى التنظير الذين يحتاجون إلى عربات، وظهر أنه لا يوجد حاجة سوى لثلاثة عربات، مما ساهم في توفير التكاليف.

بالإضافة إلى ذلك، نجحت مستشفى لوسيل باكارد للأطفال في مستشفى ستانفورد الجامعي من خلال اعتمادها مبادئ اللّين في توفير وقت المرضى الذين ينتظرون الدخول إلى غرفة العمليات، فوفرت حوالي 45 دقيقة من الإجراءات التي تسبق العملية وذلك من خلال تحديد أسباب هدر الوقت وإيجاد حل مناسب لها. وعليه، قامت بإلغاء قاعة إنتظار العمليات للمرضى الخارجيين، فقلصت بذلك أوقات الإنتظار من ساعتين إلى ستين دقيقة.

قال المرشد الطبي في مستشفى لوسيل باكارد للأطفال الدكتور تيري بلاتشيك لمجلة مستشفى بيكر إنه يمكن تخفيض هدر الوقت بنسبة 50% في غضون أسبوع تقريبًا. مضيفًا أن هذا الأمر يتطلب الكثير من الجهد، ومساهمة عامل الصفوف الأمامية وبعض التكاليف الأولية، ولكن التطوير ممكن.

متابعة تحسين العمل باستمرار واتباع نظام مرن – يعد ابتكار نظام العمل “الموحد” مفهوم أساسي للإدارة اللّينة، كما يجب أن يتمتّع النظام المتبع في مجال الرعاية الصحية بالمرونة، ويجب أن تُبذل جهود حثيثة للحفاظ على وتيرة تطوير العمل.

على سبيل المثال، تملك إينوفا للرعاية الصحية تسعة أقسام للطوارئ حيث يخضع حوالي 400,000 مريض للعلاج كل سنة. في العام 2008، أطلقت إينوفا حملة تحسين مبنية على مفاهيم الإدارة اللّينة، حيث بدأت بتخطيط تدفق القيمة للاستهلاك وعمليات تصنيف المرضى. بناء عليه، وجد فريق العمل في أقسام الطوارئ أن المرضى يهدرون الوقت بالتنقل بين أقسام التسجيل والتصنيف وصالة الاستقبال ذهابًا وإيابًا على الرغم من وجود أطباء للكشف عليهم، فتبين أن العقبة الحقيقية هي الاعتقاد السائد أنه يجب على الممرض أن يكشف على المريض قبل الطبيب. في البداية، سُمح للأطباء بدخول غرفة المعاينة في أي وقت، ثم أصبح بإمكان المرضى الدخول مباشرة إلى مكان العلاج حيث يتم تصنيفهم.

بعد التعديلات التي أجريت، سجلت إينوفا نتائج مذهلة. ففي العام 2011، انخفضت مدة إقامة المرضى الخارجيين من 215 دقيقة إلى 135 دقيقة، كما انخفضت المدة اللازمة للطبيب لمعاينة المريض من 55 دقيقة إلى 22 دقيقة. علاوة على ذلك، فقد تمكنت أقسام الطوارئ من تحقيق ما يقدر بستة ملايين دولار من مكاسب انتاجية العمل بحلول نهاية العام 2012.

بالإضافة إلى ذلك، تنتشر ثقافة “الحلول البديلة” في مجال الرعاية الصحية حيث يتم اعتماد عمليات جديدة لأداء العمل شبيهة بالعمليات السابقة، على الرغم من الهدر والتعقيدات الناجمة عنها. في المقابل، يتيح نهج الليّن للمنظمات إمكانية تحديد المشاكل التي تواجهها وتطوير أنظمة العمل مع العمل بها في الوقت عينه. على سبيل المثال، تم تطوير نظام تنبيه لسلامة المريض في مركز فيرجينيا ماسون الطبي، ويتطلب النظام من الموظف تنبيه الإدارة عند حدوث أي خطأ، أو حتى عند وجود احتمال حدوث الخطأ. يتم إعلام كبار المديرين الذين يجب عليهم التوجه فورًا لمعالجة المشكلة من جذورها، وتُعد هذه العملية لأداء العمل نقلة نوعية من العمليات السابقة التي كانت تستغرق من ثلاثة أشهر إلى 18 شهرًا لتصحيح الخطأ. بناءً عليه، يتجسد في هذا النظام مبدأ الإدارة اللّينة الذي يقضي بوقف العملية لحل المشكلة بشكل مباشر، وقد أظهرت هذه الخطوة فعالية كبيرة في العمل مقارنة بتأجيل الحل إلى وقت لاحق، ففي مجال الرعاية الصحية، يمكن للمعالجة الفورية للمشكلة أن تنقذ حياة المريض. بين العامين 2002 و2009، تم التبليغ عن أكثر من 14,000 تنبيه، ومعظمهم تمت معالجتهم خلال 24 ساعة. وقد تم تخفيض أقساط تأمين المسؤولية المهنية بنسبة 56%.

بالإضافة إلى نظام التنبيه المعتمد، سعى مركز فيرجينيا ماسون الطبي إلى الاستعانة بنظام اللّين لتوظيف أدوات وتقنيات بهدف تحسين العمل، فحقق المركز نجاحًا تمثل بإدراجه من بين 1% من المستشفيات في الولايات المتحدة المتفوقة من حيث جودة الخدمات والاهتمام بالمريض وفعالية النظام المعتمد. إلى ذلك، ساهم الاستخدام الفعّال للمساحات بتوفير 11 مليون دولار في الاستثمار الرأسمالي، كما وفر مساحة تقدر بـ25,000 متر مربع بفضل اعتماد تصميم أفضل.

دراسة فرصة اعتماد الإدارة اللّينة في الرعاية الطبية في الشرق الأوسط والسعودية

يشهد قطاع الرعاية الصحية في الشرق الأوسط والسعودية تطورًا مستمرًّا مع الإتجاه الديموغرافي الذي يفرض ازديادًا في الطلب على الخدمات. فمن المتوقع أن يرتفع الإنفاق على الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط والسعودية بنسبة 6% و7% على التوالي. على الرغم من سيطرة المستشفيات الحكومية، إلا أنه من المتوقع أن يشهد القطاع الخاص نموَّا متزايدًا، كما توقع الخبراء أن تصل قيمة قطاع الرعاية الصحية الخاص إلى 61 مليار دولار في العام 2020، مع الإشارة إلى أن القطاع العام سيبقى مهيمنًا. ومع انطلاق السعودية بثبات نحو تحقيق رؤية 2030 التي تسعى نحو توسيع دور القطاع الخاص، ستساهم المملكة بشكل كبير في النمو المذكور آنفًا.

قال المستشار الناظر في شركة المبادئ الأربعة ستيفانو غاسبري إن تركيز مقدمي الخدمات الإجتماعية ينصب الآن أكثر من أي وقت مضى على التحسين الدائم في كل مرحلة، بالإضافة إلى التخلص من الهدر أينما حل. وأردف قائلًا إن مسؤولي الرعاية الصحية في القطاعين العام والخاص يبذلون جهودًا حثيثة لخلق نتائج ملموسة ومستدامة، ثم أكد غاسبري على إيمانهم بقدرة مبادئ اللّين على تحقيق النتائج المرجوة.

في حين أنّ جذور نهج اللّين يعود إلى الصناعة اليابانية، إلا أنه بإمكان هذا النهج أن يطال مجموعة واسعة النطاق من الصناعات في المجالين العام والخاص فيمارس عليها دوره التحويلي. عندتطبيق نهج اللّين في المجال العام، من المهم جدًّا أن لا ينحصر التركيز في أدوات التطبيق فقط، بل يجب الانطلاق من فهم سياقي عميق للثقافة ولتأثيرالأدوارالمهنية والإدارية والتنظيمية، وهذا ما أكدت عليه الأبحاث الأكاديمية حول كيفية الحصول على نتيجة ناجحة. لذا يعتمد نجاح الإدارة اللّينة في الرعاية الصحية في القطاع العام بشكل كبير أيضًا على الإلتزام بالعمل لتحقيق تطور مستدام ومستمر. ومن خلال الاطلاع على تجربة مركز فليندرز الطبي في أستراليا، يمكن التيقن بقدرة الإدارة اللّينة في الرعاية الصحية للقطاع العام على النجاح، إذ تمكن المركز خلال سنتين ونصف من اعتماد الإدارة اللّينة من رفع نسبة العمل المنجز بنسبة 15% إلى 20%، مع التقليل من نسبة حوادث السلامة، بالإضافة إلى الالتزام بالميزانية عينها والاستعانة بالبنى التحتية وفريق العمل والتقنيات نفسها.

عندما ترغب في الشروع في مسيرة تحويلية لمشروع الرعاية الصحية الخاص بك، المبادئ الأربعة هي الخيار الأمثل للحصول على الخبرات المناسبة في الإدارة اللّينة، حيث تقدم حلولًا ليّنة ومستدامة لمختلف الصناعات في جميع أنحاء العالم. شغفنا هو سر نجاحنا… لا نتكلم، بل ننفذ. وسجلّنا الحافل بالإنجازات في مجال الرعاية الصحية هو خير دليل على خبرتنا. للمزيد من المعلومات زر موقعنا الإلكتروني https://fourprinciples.com/.